بوابة عدن /عدن.
شكل التأخير المستمر في صرف رواتب المعلمين، والتخبط في التعامل مع ملفات التعاقدات والوظيفة العامة، طعنة في ظهر القطاع التربوي في اليمن، ما حدا بالنقابة إلى دعوة كل المعلمين والتربويين إلى “توحيد الكلمة والانخراط في جبهة نضالية موحدة، استعدادًا لتنفيذ خطوات نقابية تصعيدية، دفاعًا عن الحقوق”.
ومع مطالبتها الحكومة بإعادة النظر الجاد في رواتب المعلمين وصرفها بما يتناسب مع انهيار العملة وتدهور سعر الصرف، أكَّدت النقابة أن الظروف الحالية تتطلب إجراءات استثنائية تنقذ ما تبقّى من الكادر التربوي المنهك.
وتعيش الحكومة اليمنية أسوأ أزمة مالية، اضطرت خلالها إلى إنهاء العام الدراسي الماضي قبل اكتمال الفصل الدراسي الثاني نتيجة الإضراب الشامل.
وينطلق العام الدراسي الجديد في اليمن، وسط ظروف بالغة التعقيد يعاني منها المعلمون في مختلف أنحاء البلاد، فهم بلا رواتب منتظمة منذ سنوات في مناطق سيطرة الحوثيين، ورواتب هزيلة لا تكفي لأدنى متطلبات الحياة في المحافظات الواقعة تحت سلطة الحكومة المعترف بها دوليا.
ويعاني المعلمون في مناطق سيطرة الحكومة من تراجع كبير في رواتبهم وتأخُّر صرفها، جراء استمرار تدهور العملة المحلية وبلوغ سعر الدولار نحو 2900 ريال يمني للمرة الأولى في تاريخ البلاد، ما جعل العديد من المعلمين يتسلّمون أقل من 10 في المئة من رواتبهم التي كانوا يتقاضونها قبل الحرب.
وفي حديث لوكالة الأنباء الألمانية يشكو المعلم اليمني ناصر محمود، المقيم في مدينة تعز، من ظروف معيشية قاسية يواجهها نتيجة استمرار تدهور قيمة راتبه بسبب الانهيار الكبير في سعر صرف العملة المحلية.
وقال محمود، الذي يعمل في سلك التعليم منذ أكثر من 20 عامًا، إن راتبه الحالي لا يتجاوز 100 ألف ريال يمني(34 دولارا)، وهو ما يعادل أقل من عُشر ما كان يتقاضاه قبل اندلاع الحرب نهاية عام 2014.
وأضاف أن الراتب لم يعد يغطي حتى الحد الأدنى من متطلبات الحياة، فهو لا يكفي لشراء 100 كيلوغرام من الدقيق الذي تحتاجه أسرته شهريًا.
وأشار إلى أن هذا الوضع دفعه وأمثاله إلى البحث عن وسائل بديلة لمواجهة هذه الظروف الصعبة، بهدف الاستمرار في إعالة أسرهم.
كما عبّر عن إحباطه الشديد من تدهور الأوضاع، قائلًا: “لقد أصابنا اليأس، وأصبحنا نشعر بأن عملنا بلا قيمة”.
ولفت إلى أن مدينة تعز الواقعة تحت سلطة الحكومة المعترف بها دوليًا شهدت في فترات سابقة مظاهرات متعددة نظمها المعلمون للمطالبة بتحسين أوضاعهم، غير أن تلك المطالب لم تلقَ أي استجابة تذكر.
ورغم تدني الرواتب، يعاني المعلمون أيضًا من تأخر صرفها بشكل مستفز ومتكرر، وهو ما يزيد من شعورهم بالإحباط والرغبة في ترك مهنة التعليم.
ويبدو الواقع التعليمي في مناطق سيطرة الحوثيين أكثر مأساوية، نتيجة استمرار انقطاع رواتب المعلمين منذ عام 2016 وتكبد الطلاب معاناة كبيرة في سبيل ذلك.
وقالت المعلمة “أم سارة” من العاصمة صنعاء إن واقع التعليم أصبح كارثيا، فالمعلمون لا يتسلّمون رواتبهم، والمواطنون يعانون كثيرًا في سبيل تعليم أبنائهم.
وأضافت لوكالة الأنباء الألمانية، أنه نتيجة لانقطاع رواتب المعلمين، لجأت إدارات المدارس إلى فرض رسوم شهرية تُستخدم كحوافز للمعلمين، لضمان استمرار العملية التعليمية. وأشارت إلى أن رسوم تسجيل الطلاب في المدارس الحكومية تضاعف أكثر من عشر مرات منذ بداية الحرب، ما جعل الوضع شبيها بالقطاع الخاص، بسبب الرسوم التي تُفرض شهريا على الطلاب، فضلًا عن تكاليف التسجيل السنوية.
وأوضحت أن بعض الأسر امتنعت عن تسجيل أطفالها في المدارس، سواء الحكومية أو الخاصة، بسبب الفقر، بينما لجأت أسر أخرى إلى إرسال أبنائها إلى مراكز محو الأمية باعتبارها أقل كلفة وأقصر زمنا.
ونبهت إلى أن هذا الوضع أثّر بشكل سلبي على مخرجات التعليم، حيث لا يمكن للمعلم أن يؤدي دوره، وهو لا يستطيع توفير وجبة الفطور، وهناك من يذهب إلى المدرسة وهو جائع.
وتؤكد الحكومة اليمنية، في أكثر من مناسبة، حرصها على دعم القطاع التعليمي، لكنها في الوقت ذاته تشكو من أزمة مالية حادة، أثّرت بشكل مباشر على انتظام صرف رواتب المعلمين في مناطق سيطرتها.
وفي مناطق سيطرة الحوثيين، يلقي باللوم على الحكومة المعترف بها دوليًا، في مسؤولية توقف صرف رواتب المعلمين، وذلك منذ نقل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن عام 2016.
ورغم أن الجماعة تحصل على إيرادات مالية ضخمة من قطاعات مختلفة، فإنها لم تتولَّ صرف رواتب المعلمين، وسط اتهامات متصاعدة بأنها تضيّق على الكادر التعليمي وتنتهك حقوقه، رغم كونها سلطة أمر واقع ملزمة بحل أزمة رواتب الكادر التعليمي.
ويرى الصحافي والباحث الاجتماعي عامر دعكم أن المعلم في اليمن أصبح اليوم من أكثر الفئات فقرًا، ولم يعد يمثل رمزًا للمعرفة بقدر ما بات أيقونة للمعاناة.
وأكد في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية أن المعلم يعيش على حافة الانطفاء، في ظل راتب غير منتظم لا يكفي حتى لشراء كيس دقيق، فضلًا عن تلبية المتطلبات الأساسية للحياة.
وأوضح دعكم أن الأزمة لا تقف عند حدود راتب المعلم، بل تضرب عصب المدرسة والعملية التعليمية برمّتها، حيث يشهد الكادر التعليمي انهيارًا مستمرًا، وسط توقف التوظيف منذ أكثر من 14 عامًا.
وقال إن “الكثير من المعلمين توفوا، فيما غادر آخرون المدارس بحثًا عن مصدر رزق كريم يكفي لإطعام أطفالهم”، مشيرًا إلى أن البديل كان متطوعين، أغلبهم من خريجي الثانوية، خاصة من الفتيات، مقابل مبالغ رمزية”.
وفي ظل هذا العجز الكبير، لجأت بعض المدارس ومجالس الآباء إلى ما وصفها دعكم بـ”الحلول الإسعافية”، من خلال فرض رسوم إضافية على الطلاب تُصرف كبدل مالي بسيط للمعلمين والمتطوعين، في محاولة لإبقاء العملية التعليمية مستمرة.
وختم دعكم بالقول إن المعلم اليمني “يعيش واقعًا اقتصاديًا هو الأسوأ على الإطلاق، فيما العديد من المدارس بات كادرها بالكامل من المتطوعين،” مشيرا إلى أن العملية التعليمية تحتضر، في ظل مخرجات كارثية، منذ الانقلاب الحوثي في سبتمبر 2014، ووسط فشل ذريع للسلطات الشرعية.
وبدأ العام الدراسي في العاصمة صنعاء والمناطق الأخرى الواقعة تحت سيطرة الحوثيين التي تحوي نحو ثلثي الطلاب في البلاد نهاية يونيو.
وفي تصريح صحفي خلال تدشين العام الدراسي الجديد، قال عضو المجلس السياسي الأعلى للحوثيين عبدالعزيز بن حبتور: “للعام العاشر على التوالي ينطلق العام الدراسي في ظل مرحلة عصيبة في تاريخ شعبنا اليمني، الذي حاول المعتدون تعطيل العملية التعليمية في مختلف المستويات”.
وفي المقابل، حددت وزارة التربية والتعليم في الحكومة اليمنية يوم 18 أغسطس المقبل موعدا لبدء العام الدراسي لجميع المراحل في عموم المحافظات.
وبموجب القرار الوزاري بشأن التقويم المدرسي الجديد، فإن انتظام الإدارات المدرسية تم يوم الأحد 4 أغسطس، وبدأت عملية القيد والتسجيل والانتقال في جميع المراحل الدراسية في الخامس من الشهر ذاته.
وشدد وزير التربية والتعليم طارق العكبري على “ضرورة التزام جميع الإدارات التربوية والتعليمية في جميع المحافظات، والتقيد والتنفيذ بما ورد في التقويم المدرسي للعام الدراسي الجديد، وانتظام هيئات التدريس في المدارس الحكومية الأهلية”.