
عندما تغيب أمي عن المنزل
يغدو المنزل
كمغارةٍ مليئة برسوماتٍ لأرواح معذبة
يتسع الفراغ..
تحاصرنا الزوايا..
ويتعقبنا الحزن مثل الظل العنيف
وتخلق الإنارة الخافتة
كائنات ناهضة على الجدران العارية..
عندما تغيب أمي عن البيت
يغدو البيت موحشا..
وغير مألوفٍ
حتى السقف الكهل
عندما ينزل ويربت على أكتافنا
وقبل أن يكمل لنا عبارات الطمأنينة
يغمض جفنيه المهدمين
فنسمع شخيره آيلاً للمنام الأخير..
عندما تغيب أمي عن المنزل
يصبح الكلام عصيًا على الكناية
والعالم حقيقيا دون استعارات جمالية
نتلحف بأسمال الصمت
تحط يمامة للحداد
نطردها
ولكننا نجترح يتما طارئا
نتبادل فيه التعازي بنظرات مشفقة
متأثرين
بما قد يتجاوز الكلمات..
عندما تغيب أمي عن البيت
يغيب الحارس الملاك
يغيب الدفء
نتجمد..
ونرتجف مثل سعفةٍ برياح الوحدة
ونوغل في لا نهائية من الانعزال
عندما تعود أمي إلى المنزل
وتضع قدميها على الأعتاب
ننظر للباب
وكأنما اكتشفنا وجوده للتو
نجتزئ عالما خاصا من الصدى
نقف لحظة صمتٍ؛ توطئة لصرخات محبوسة
لحظة خالية من أبسط تشويش
لحظة لفرط صفائها نسمع جوقة الساعة: كت.. كت
تولجُ المفتاح في عين القفل
وتديره دورتين
:كت.. كت
وتدخل..
كت.. كت
فتندلع أرواحنا بمظاهر الاحتفال والحركة
كما لو أنّا دمًى وتماثيل في غرفة الألعاب
تخفي حيواتها عن الداخلين!
عندما تعود أمي إلى المنزل
تنتضم القطعة المزاحة عن السكة
في حوش الأزهار المتسامية عن روح الإسمنت
ونتوسد أذرعنا الصغيرة
باتجاه هدير القطار الآتي من حافة السماء
ونستشعر الله كثيرا
وتضيئ الصلوات لمجرد انتوائها
عندما تعود أمي إلى البيت
نخرج..
نوزع باقات ابتساماتنا
مستعيدين إيماننا بالعالم الكبير