بوابة عدن /الضالع
في ذاكرة الزمن، حيث تُنسج الملاحم بخيوط من دمٍ وعرقٍ ودموع، تقف الضالع مدينة ومحافظة وشعبًا وجغرافيا شامخة كصرحٍ من نور، تُحدّق بعينٍ فاحصة في عقدٍ من الزمن مضى منذ أن تحرّرت من أغلال الغزاة، وبعد عشر سنوات مرّت، لكنّ صداها يتردّد كرعدٍ لا يخفت، يذكّر العالم بأنّ هذه الأرض ليست سوى جمرةٍ تحت الرماد، تشتعل متى ما مسّها ظلمٌ أو اعتداء يحاول أن يدنس تراب أرضها الطاهر .
كانت الضالع بوابة الجنوب، التي وقف على أسوارها رجالٌ من فولاذ، يصدّون زحف الغزاة بصدرٍ عارٍ، وأسلحة تقليدية لكنهم يملكون قلبًا لا يعرف الخوف، ففي عام 2015م، تحوّلت شوارعها إلى ساحاتٍ للغزاة، حيث تناثرت أشلاؤهم كأوراق الخريف الممزّقة، لم يكن ثمة سبيل لدفنهم إلا بشفرة الشيول، وكأن الأرض رفضت أن تحتضن غرباءَ دنسوا ترابها الطاهر.
لقد كتب أبطال الضالع تاريخهم بمدادٍ من دمائهم، فكان كلّ رصاصةٍ طُولِبت بالحرية، وكلّ شهيدٍ صار نجمًا في سماء الوطن ولم تكن معاركهم سوى أغنياتٍ من نار، تُنشد للكرامة وتعزف للحرية وتغني للاستقلال، وتُذكّر العالم بأنّ الجنوب لم يولد عبدًا، ولن يكون إلا حرًا أبيًّا.
ومنذ 1967م نفضت الضالع غبار الاستعمار الأول من مديتنها، وهي تُمسك بزمام مصيرها بيدٍ من حديد، ومرّت بالتحوّلات، من انتصارٍ إلى محنة، ومن ثورةٍ إلى انتكاسة، لكنّها لم تنكسر، وفي 1994م، كانت شرارةً في ظلامٍ دامس، ثمّ صارت منطلقًا للحراك السلمي الجنوبي، تُنير الدرب لأبناء الجنوب كافّةً نحو الحرية وتحقيق الاستقلال بعهد الرجال للرجال.
لكنّ الثمن كان دماءً تسيل كالأنهار، فمجزرة سناح الأليمة، التي روت تراب الضالع بدماء الشهداء، كانت ضريبةً قاسيةً دُفعت في سبيل العدالة والمساواة حتى صار الترابُ في الضالع شهيدًا، والسماءُ شاهدةً، أنَّ الحرية لا تُوهب، بل تُنتزع انتزاعًا من بين أنياب الذئاب، وأفواه البنادق.
واليوم الضالع بعد عقدٍ من التحرير، يقف أبطال الضالع بين مطرقة النسيان وسندان محاولات الإقصاء بصور مناطقية مقززة، ومن هنا نقول لا يمكن أن تقابل الضالع بهكذا مناطقية نظير ما دفعت وقدمت وما زالت تدفع ضريبة يومية من الدماء حقًا لأهلها أن يُسألوا: لماذا كل وسائل المرجفين تصوب بنادقها تجاه الضالع، وتحاول أن تمس كوادرها بنوع من المناطقية، والاستهداف الموجه لأبنائها، ومدينتها تعيش ظلامًا دامسًا ليس لشيء إلا لأن الضالع قالت لكل الجنوب هذه مكانتكم في وطنٍ حرر، ورغم فاتورة الدماء التي سالت على أعتاب الحرية؟ لقد قدّموا كلّ شيء، ومن هنا يحق أن نقول ارفعوا سهامكم عن ضالع الصمود والإباء
إنّ الضالع ليست مجرّد مدينة، بل هي أسطورةٌ تُحكى، ودمعةٌ تُذرف، وصرخةٌ تُدوّي في وجهِ الزمن، فعشرة أعوامٌ مرّت، لكنّ روح المقاومة ما زالت تسري في عروق أبنائها، كالنار تحت الرماد، تنتظر لحظةَ الانتفاضةِ من جديد.
ومن هنا حق لنا أن نوجه الاعترافات الصادقة وفاءً وعرفانًا: إلى أبطال الضالع، نقول: لن ننسى ما صنعتم وما زلتم تصنعون، وإلى ترابها الذي شرب الدماء، نقول: لن نتنازل عنك وعن كل شرب من تراب محافظات شعب الجنوب من المهرة شرقًا إلى باب المندب غربًا، وإلى العالم الذي يراقب، نقول: هذه الأرض في الجنوب لنا، ولن تكون إلا لنا.
#الذكرى_العاشرة_لتحرير_الضالع