بوابة عدن /السودان
تمر الذكرى التاسعة والستون لاستقلال السودان في وقت تعصف بالبلاد حرب دامية بين الجيش السوداني بقيادة رئيس مجلس السيادة، عبد الفتاح البرهان، ونائبه السابق زعيم قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو “حميدتي”، دخلت شهرها الحادي والعشرين.
وبينما لا توجد إحصاءات دقيقة لعدد القتلى العسكريين في المعارك الطاحنة، تشير التقديرات الأولية لعدد الضحايا المدنيين في العاصمة السودانية الخرطوم، منذ اندلاع الحرب منتصف أبريل/ نيسان من العام الماضي تشير إلى مقتل 160 ألف شخص.
وفي خطاب وجهه للشعب السوداني بمناسبة الذكرى الـ(69) لاستقلال السودان، قال رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان إن “الجيش يعد العدة لحسم المعركة لصالح الشعب السوداني لكن لا يمنعه ذلك من الانخراط في أي مبادرة حقيقية تنهي الحرب وتضمن عودة آمنة للمواطنين إلى مواطنهم وانتفاء ما يهدد حياتهم مرة أخرى.
وأشار إلى تعدد المبادرات والمنابر الداعية لوقف الحرب، مشدداً على أن البلاد لن تعود كما كانت عليه قبل 15 أبريل 2023، مضيفاً: “لا يمكن القبول بوجود هؤلاء القتلة والمجرمين وداعميهم وسط الشعب السوداني مرة أخرى”، في إشارة إلى الشراكة بين الجيش والدعم السريع قبل اندلاع الحرب والتي سبقتها حكومة انتقالية جمعت المدنيين والعسكريين حتى أكتوبر/ تشرين الأول 2021.
ولفت البرهان في خطابه إلى الأوضاع الصعبة التي تعيشها البلاد ومعاناة المدنيين، مستنكراً ما يتعرض له السودانيون من تقتيل وتشريد وتجويع وإفقار وانتهاك للحرمات يتهم قوات الدعم السريع والمتعاونين معها والداعمين لها بارتكابها.
وقال إنه على الرغم من استمرار الحرب وتداعياتها فقد استجابت الحكومة لكل مطالب العمل الإنساني وإيصال المساعدات للمحتاجين، مؤكداً التزام الحكومة بالقانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها وقوانين حماية المدنيين، لافتاً إلى وضعهم ضوابط صارمة في الصدد.
وأكد أن الحكومة تبذل جهوداً مقدرة لتيسير حياة الناس وأمنهم ودعم صيانة البنى التحتية والخدمات الصحية والتعليمية والزراعية وأن ما يشاع عن المجاعة محض افتراء يقصد منه التدخل في الشأن السوداني. وأكد البرهان أن ساعة النصر قد اقتربت ووقت الحسم قد أزف.
«حميدتي» يتحدث عن سودان جديد
في المقابل، نشرت منصات قوات الدعم السريع خطاباً لزعيم قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي” تحدث عن مخاض سودان جديد.
وقال إن البلاد تقف على مفترق طرق، متهماً القوات المسلحة والحركة الإسلامية بإشعال الحرب لإخماد “الثورة السودانية”. وطالب من أسماهم “النخب العسكرية” بـ”الإقرار بالفشل في هذه الحرب والتوقف عن الاستنفار والقتال وتدمير البلاد والتمهيد لإنهاء الحرب ووضع حدٍ لمعاناة السودانيين”.
وأشار إلى الأوضاع الإنسانية السيئة، التي تزداد تدهوراً يوماً بعد يوم، مؤكداً أن البلاد تواجه المجاعة، والانقسام الاجتماعي، بالإضافة إلى خطاب الكراهية، وإثارة النعرات والفتن العنصرية، والمتفلتين وانتهاكات حقوق الإنسان، وتَوَقُّف الإنتاج في معظم أنحاء البلاد.
وقال إن “حكومة الأمر الواقع التي كانت تحكم البلاد منذ انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 والمؤسسات البيروقراطية”.
وأكد زعيم قوات الدعم السريع التزامهم بوحدة السودان، مضيفاً أنه “أمر لا مساومة عليه”. وأشار إلى تمسكهم بالحكم المدني وبناء سودان جديد في ظل نظام ديمقراطي حقيقي، تكون السلطة فيه قائمةٌ على الإرادة الشعبية، المصدر الوحيد للسلطة ومشروعيتها.
وتابع: “إن قوات الدعم السريع لا تنوي ولا ترغب أن تكون الجيش البديل للجيش، الذي دمره النظام القديم وقادته المتحالفون معه بالتسييس والمحاباة والفساد”، مؤكداً تمسكهم بمبدأ تأسيس جيش جديد مهني وقومي، لا تسيطر عليه جهة أو مجموعات إثنية محددة؛ جيشٌ لا يتدخل في السياسة، ويخضع منذ اليوم الأول لتأسيسه للسيطرة والرقابة المدنيتين.
وقال “حميدتي” إنه مع ما أسماه “السلام الحقيقي” الذي يضمن إنهاء الحروب والهيمنة في البلاد.
ودعا قوى “السودان الجديد” وقادتها، الذين قال “إنهم أثبتوا بالأفعال أنهم مع تأسيس وبناء الدولة السودانية الجديدة القائمة على أنقاض الحقبة الاستعمارية الوطنية، إلى الوحدة والعمل المشترك”.
وبينما تتصاعد وتيرة المعارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، تتحدث مجموعات مسلحة مقربة من الدعم عن تشكيل حكومة موازية للحكومة في بورتسودان، على الرغم من تحذيرات القوى السياسية في تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم” التي تشهد نذر انقسام بين القوى السياسية الرافضة للخطوة والحركات المسلحة التي تدعم الخطوة.
وتمضي عدد من الحركات المسلحة في مساندة الجيش، أبرزها الحركة الشعبية جناح مالك عقار- نائب رئيس مجلس السيادة- التي تتمركز قواته في النيل الأزرق ومجموعة من الحركات الدارفورية أبرزها العدل والمساواة التي يتزعمها وزير المالية جبريل إبراهيم، وحركة تحرير السودان بقيادة حاكم إقليم دارفور مني اركو مناوي.
استخدام الإغاثة لإمداد “الدعم السريع” بالسلاح
وفي بيان بمناسبة الذكرى الـ 69 لاستقلال السودان، قالت حركة العدل والمساواة السودانية إن هذه المناسبة تذكر السودانيين بأن الاستقلال لم يكن نهاية الطريق، بل بداية لمسيرة بناء وطن.
ودعت جميع السودانيين لاستكمال مسيرة الاستقلال بمخاطبة جذور الأزمة الوطنية وتجلياتها التاريخية وتجديد الروح القومية والمساهمة في بناء الوطن.
وأكدت الحركة أن المعركة ضد “تمرد قوات الدعم السريع” تمثل امتداداً لـ”نضالات السودانيين التاريخية”.
ودعت الحركة إلى تحييد المساعدات الإنسانية عن أي صراعات سياسية، منددة بالمخططات التي قالت إنها تهدف إلى دعم “التمرد” بالسلاح تحت غطاء الإغاثة.
واستنكرت تسويق بعض الدوائر الدولية لما قالت إنها “أكذوبة المجاعة لتبرير التدخلات الخارجية، وتوظيف هذه المساعدات لتأجيج الصراع وتوفير غطاء لتمويل الميليشيات بالعتاد الحربي”.
وقطعت بعدم وجود شح في المواد الغذائية إلا في المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، متهمة إياها بالاعتداء على القوافل التجارية ومحاصرة المدنيين. ودعت القوى الدولية لممارسة ضغوط حقيقية ضد الدعم السريع بفرض العقوبات على قياداتها وعلى الدول التي تزودها بالسلاح والتي تسمح بمرور العتاد الحربي عبر أراضيها، وتصنيفها كمنظمة إرهابية.
وعزت تصاعد انتهاكات الدعم السريع إلى فشل المجتمع الدولي في إجبار الدعم السريع على الالتزام بإعلان جدة الموقع في 11 مايو/ أيار 2023.
وأكدت على ترحيبها بالجهود المصرية للحل السياسي ومبادرات الاتحاد الإفريقي ودول المنطقة التي تهدف إلى إنهاء معاناة السودانيين، وتدعو لتوحيد الجهود الدولية لحل الأزمة السودانية. وحذرت من أن أي تسوية “لا تجعل الدعم السريع يسلم السلاح ويرد الحقوق ويخرج من مساكن المدنيين”، مشيرة إلى هذا النوع من التسويات سيعيد إنتاج الأزمة من جديد.
وشددت على إنهاء وجود الدعم السريع في المشهد السياسي أو العسكري، مضيفة أن “القتال يجب أن يكون من أجل الوطن، تحت راية القوات المسلحة، دون الانخراط في صراعات حزبية أو إيديولوجية”.
وأكدت التزامها بعملية دمج قواتها في القوات المسلحة بعد انتهاء الحرب وصولاً إلى جيش موحد يحتكر السلاح.
وفي السياق، قال حاكم إقليم دارفور، مني اركو مناوي، أن العام المنصرم شهد مآسي وأحزاناً وخسارة آلاف الأرواح، داعياً إلى التمييز بين الحرب العادية والجرائم المرتكبة من قبل قوات الدعم السريع.
وقال إن الحرب اندلعت إثر محاولة انقلابية فاشلة كانت تحاول قوات الدعم السريع تنفيذها بدعم من سياسيين.
واتهم الدعم السريع بتجنيد مرتزقة وارتكاب انتهاكات واسعة تشمل الاغتصابات والاختطافات والقتل والنهب وتدمير البنية التحتية، مشدداً على أن ما يحدث في البلاد ليس حرباً داخلية، بل غزو أجنبي باستخدام عناصر سودانية تهدف إلى تمزيق البلاد والاستيلاء على ثرواتها.